ديوان سرجون كرم إلى الألمانية: "هذا أنا" مشحون بروحانية الشرق وتقنيات الغرب
معمر عطوي
يستحق شعر سرجون كرم أن يُنقل إلى اللغة الألمانية، لما يحمل في ثناياها من إسلوبية شعرية تتماهى مع طريقة كتابة الشعر لدى أهم شعراء الجرمان، وإن كان في بعض القصائد قد فشل في جذب القارىء لغياب مؤثرات موسيقية أو استخدام صور قد تغني النص.
ففي ديوانه "هذا أنا" ينحو أستاذ الأدب العربي في قسم العلوم اللغوية الشرقية التابع لجامعة بون (وسط ألمانيا) منحى حديثاً في صياغة نصّه المشحون بروحانية الشرق وتقنيات الكتابة الغربية.
تراه دائماً يعيش ذلك السؤال الفلسفي حول أنويته" وماهية الوجود المحيط، فيتنفس الفلسفة شعراً مكثفاً بصور وجودية تؤكد عمق المعنى حتى في حال وجود خلل في المبنى الشكلي للقصيدة.
الخلل واضح من حيث الشكل، إذ تتحكم أسئلته الوجودية في بعض القصائد بطريقة صياغة النص على حساب الصورة أو الموسيقى التي من المُفترض أن تغلّف العبارة.
في ديوانه الذي ترجمه إلى الألمانية المستشرق سبيستيان هاينه، استياء من عالم الميتافيزيقا ورغبة في محاسبة الماوراء لحساب العودة إلى الذات والطبيعة واحترام العقل.
يبدو الشاعر سرجون متمرداً في متاهته الوجودية، خصوصاً من خلال قصيدة "هذا أنا"، التي يقول فيها:
هذا أنا.../ لولبُ الصِّفْرِ،/ نطفةٌ من سعارِ الجحيمِ،/ أنقش اسمي على سرمدٍ/ موبوءٍ بوهمِ فنائهِ،/ وأبحث عن مأزقٍ أحيي به شبقي/ لأُميتَ الكيانَ الذي ينخرُ في تفاصيلي./ هذا أنا.../ بركانُ الهدوءِ،/ لجّةُ الوحشِ الباصقِ في لعلعةِ السكونِ.
أفترس وِحدتي.../ ووَحدتي.../ وأتقمّص ضميرَ الذين يؤاخذهم ضميرُهم/ على خطيئةٍ لم يرتكبوها.
لكنه في قصيدة "أرني قبساً" يخاطب الإله الذي ارتأى تسميته بمصلح عبري "إلوهيم أدوناي" أي "الهي سيدي"، قائلاً "غيابُكَ مسكِرْ/ فكيف قليلُ الكلامْ؟/ فيا سيّد النورِ حرّر خطايَ من التجربهْ/ تعبتُ...وقد مرّ ألفُ عامْ/ أسبِّحُ شيئاً يقيءُ عليّ/ لعلّي أرى منكَ...لو صورةً في رخامْ/ لعلّي أراك جهنَّمَ تنقشُ لوحَ الزمانْ/ لعلّي أرى قبساً من منامٍ/ ينامُ بقربِ جدار الظلامْ.
ولعل اقامته في مدينة بون الألمانية الواقعة على الراين، قد أثرت في شعره، إذ حملت قصيدة " على ضفّة ماء" صوراً من حياة المدينة المتميزة بهدوئها رغم أنها كانت عاصمة ألمانيا الغربية في زمن الانقسام.
اللغة اللاهوتية تبدو في نصوص الشاعر اللبناني، واضحة ونافرة إلى حد كبير في بعض الأشعار، فهو إبن منطقة الكورة المتلاحمة تاريخياً مع مدينة طرابلس، لذلك تجد لغته مسبوكة بإيحاءات قرآنية وانجيلية، (سيما انه خريج جامعة البلمند)، ورغم نزعته العلمانية فهو ينهل من معين المصطلحات اللاهوتية ويوظفها في قصائده، حتى في حالات يكون فيها هذا التوظيف في غير محله. ففي قصيدة " الظلّ" يقول كرم: قالَ الظلّ لصاحبِهِ: "إنّ ربّكَ لا يستحي أنْ يضربَ مثلاً في بعوضةٍ"/ فنحنُ مثلاً/ اثنانِ /وهمانِ/ منفصلانِ/ متشابهانِ/ لنا ثلاثةُ أطوارٍ/ وأربعةُ أطرافٍ/ وخمسُ ركَعاتٍ/ وألفُ ألفِ خطْوةٍ/ إلاّ أنّنا عند حذائي.../ نلتقي في سجدةٍ واحدة.
ويبدو في قصيدة "أعدني طفلاً" أكثر عفوية حين يقول: "اللهمّ أعدني طفلاً لأكتب/ تاريخ الأمّة بـ"فنتورة" الصباح.../ وأعود بعد قيامي مشعّث الشعر إلى حضن يشفع لي لا أمام المخابراتِ/ ولكن يومَ القيامة.../
أعدني طفلاً/ لأجلس على جرائد أبي/ و"أشرشر" على حروف لا أفهمها/ لعابي الممزوج شوكولاتة وبسكويتاً،/ أصنع منها صواريخ ورقيّة/ أطلقها – بل أبعثها- في الهواءْ./ ما همّي إن الأخوان فيها/ – مسيحيّين كانا أم مسلمَين أم بوذيّين أم قوميّين أم عروبيّين أم شيوعيّين أم ملحدَين –".
ثماني وعشرون قصيدة نشرت في ديوان باللغتين العربية والألمانية متقابلتين، تحت عنوان "هذا أنا"، وصدرت عن دار "شاكر ميديا" للنشر في مدينة آخن الألمانية، حملت العديد من العناوين اضافة الى ما ورد، منها: "أرني قبساً"، "عادة"، راهب، "ضجر"، "استقالة"، قدر، وداع،الشيطان، الساحر ملكة السأم، وغيرها من عناوين حملت مضامين شعرية جميلة وعميقة المعنى.
(السفير)
تعليقات