الباحثة الألمانية أنغيليكا نويفرت: القرآن نص أدبي ذو صفة ثورية
وسط المعمعة الفكرية التي تعبق برائحة الدم والموت، نتيجة تفسيرات متعددة للنص القرآني أدت إلى ظهور تيارات "جهادية" إرهابية تعمل على تدمير البشر والحجر والتراث والحاضر والمستقبل باسم الشريعة وتعاليم القرآن، خرجت الباحثة الألمانية المختصة بشؤون تفسير القرآن، لتقّدم من بيروت، صورة أخرى من صور الكتاب المقدس عند أكثر من مليار إنسان، هي الصورة الشعرية الجمالية للقرآن.
تلك هي رؤية الباحثة أنغيليكا نويفرت، التي تقدم القرآن كنص أدبي شاعري، مكمّلة ما بدأه الكاتب المصري الإسلامي سيد قطب "في ظلال القرآن" من تفسير أدبي جمالي للكتاب، برغم أن الأخير حوَّل في آخر أيامه في السجن، القرآن إلى مسوغ لأفكار شديدة التطرف استلهمها معظم التيارات التكفيرية المتشددة، من خلال كتابه "معالم في الطريق".
العالمة الألمانية التي قضت أكثر من ثلاثين سنة في البحوث القرآنية، كانت ضيفة الجامعة الأميركية في بيروت، مساء أمس الأول، حيث قدّمت قراءة أدبية للقرآن، إذ ترى أن الفقهاء اعتادوا على فهمه كنص إسلامي بامتياز، في حين تتحدث نويفرت عن تاريخية نزول الكتاب في العصر ما قبل الإسلامي حيث كانت تسود الوثنية في جزيرة العرب إلى جانب المسيحية واليهودية. وتركّز على إعلان آيات القرآن «فموياً» من خلال النبي، حديث محمد مع قوم لم يكونوا مسلمين بعد ولم يكن المجتمع الإسلامي قد تشكل. وتلفت الانتباه إلى أن هؤلاء المستمعين يمكن أنهم تلقوا التعليم الفردي أو الثقافة العتيقة في لحظة متأخرة، مشيرة إلى أن العرب الوثنيين كانوا متآلفين مع الديانتين التوحيديتين المسيحية واليهودية، أو التوفيق بين الديانتين، أو هم تعلموا اليهودية والمسيحية الحاضرتين في السور المدينية من القرآن.
ولعل عملية الاتصال التفاعلي بين (النبي) محمد وهذه المجموعات أحدثت بدورها المعرفي في أواخر العصور العربية القديمة، الاكتشاف القرآني للكتاب كسلطة مطلقة. إذ حقق المجتمع الناشئ "تماسكاً نصِّياً"، في كتاب مقدس، ذي قيمة تاريخية وذاكرة، وتم الاعتراف به "كمفهوم توجيهي"، كما تقول المستشرقة الألمانية، متحدثة عن إنجازين مهمين هما "نشأة الكتاب الجديد وظهور المجتمع الجديد". وهنا تتحدث عن تراثين عظيمين "التراث التوراتي الذي انتقل من خلال اليهود والمسيحيين، والشعر القديم الذي أنتجه العرب"، كعنصرين أنتجا المجتمع المسلم الناشئ.
وفي مقابلة مع موقع "قنطرة" الألماني الذي يشكل جسراً للحوار والفهم المتبادل بين الإسلام والغرب، في العام 2014، ترى نويفرت أن ادِّعاء افتقار الإسلام إلى التنوير ما هو إلا صورة نمطية أوروبية قديمة غير قابلة للصمود أمام الحقائق التاريخية، مشيرةً إلى الصفات القرآنية "الجمالية والتقدمية الثورية"، وإلى أن صميم القرآن يدعو إلى العلم والمعرفة. وتعتبر "أن افتخار الغربيين بعصر التنوير الأوروبي هو ما يدفعهم باستمرار إلى اعتبار الثقافة الغربية متفوقة على الثقافة الإسلامية".
وتلفت الباحثة الألمانية النظر إلى أن صناعة الورق في العالم الإسلامي ظهرت منذ القرن الثامن على سبيل المثال. "وهذا بدوره وفَّر إمكانيَّة نشر كمٍّ هائلٍ من النصوص، الأمر الذي لم يكُن في ذلك الوقت قائمًا في الغرب قَطّ".
وترى أن "القرآن يتسمّ بالشِعرية إلى حدٍّ بعيد، ويحتوي على الكثير من الرسائل التي لا يتم أبدًا إخبارها بوضوح وبشكل جليّ على المستوى الدلالي، بل من خلال بنى شِعرية. ولولا هذا لما كان للقرآن هذا التأثير المستدام".
وتخلص نويفرت إلى أن "الفريد في القرآن هو بالذات تعدد جوانبه، بحيث يتحدث على مستويات مختلفة، وهذا له من المنظور الجمالي جاذبية كبيرة بالطبع، ولكن أيضًا إنْ صحَّ التعبير له جاذبية كبيرة من الناحية البلاغية وقوة الإقناع".
"السفير"
تعليقات