76% ينزعجون من استمرار العلاقة مع موسكو.. الألمان معجبون ببوتين.. لكنهم خائفون

معمر عطوي

 من الطبيعي أن تكون ألمانيا المتأثر الأكبر بما يجري في شرق أوروبا اليوم، لما تشكله من قوة اقتصادية هي الأقوى في منظومة الاتحاد الأوروبي، تؤثر وتتأثر بما يجري في المنطقة، سيما لجهة علاقاتها الاقتصادية القوية مع كل من روسيا وأوكرانيا،

خصوصاً على صعيد التبادل التجاري واستهلاك مصادر الطاقة. من هنا تحفل الصحف الألمانية ومراكز الدراسات والأبحاث بتقارير واستطلاعات ومقالات رأي وتحليلات تتعلق بما يجري في الجهة الشرقية من أوروبا وتأثير ذلك على الموقع الجيو- بوليتيكي للمصالح الأوروبية في المدى الأوراسي.
ولعل شخصية الرئيس فلاديمير بوتين، هي الأكثر اثارة للجدل اليوم في الشارع الألماني بحيث أنه لا يمكن التعليق على ضم موسكو لشبه جزيرة القرم وما تلاه من اضطرابات في أوكرانيا، من دون الإشارة الى دور ضابط "الكي جي بي" السابق في صناعة الأحداث، والذي يتقن الألمانية حيث خدم كضابط ارتباط في برلين الشرقية خلال الحرب الباردة.
من هنا كتب يان فلايشهاور، في صحيفة "شبيغل أون لاين"، مقالاً تحت عنوان: "لماذا يعجب بوتين كثيرين من الألمان"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن لأحد أن يعتقد بجدية بأن الأوروبيين في المستقبل المنظور باستطاعتهم أن يدافعوا عن رفاهيتهم وحريتهم من دون الولايات المتحدة".
يتحدث الكاتب عن حيرة وسط الألمان بين الإعجاب بشخصية الرئيس الروسي وبين الخروج من تحت عباءة الغرب، قائلاً "يبدو أن الخائفين من الوضع الحالي، هم من المعجبين ببوتين ومن الكارهين له؛ من اليسار واليمين، مقراً بأن الكثير من الشعب الألماني "تهفو قلوبهم" لبوتين، وهذا ينعكس على موقف الصحافة إزاء هذا الموضوع.
لذلك يشير فلايشهاور الى أنه "في النهاية يُطرح السؤال الآتي: هل تفضّل حياة تحت الحماية الروسية أو الأميركية. الجميع ليس لهم جواب واضح، قد يكتفي أحدهم بأن ينصح بقضاء الإجازة المقبلة في موسكو، على بعد 20 كيلومتراً من الساحة الحمراء وأحيائها الفاخرة".
في صحيفة "تسايت أون لاين" كتب لوسيان كيم، من كييف مقالاً تحت عنوان "الغرب ضعيف"، يقول فيه إن "هدوء الوضع في أوكرانيا ليس من مصلحة بوتين، الغرب يتجاهل أن الديبلوماسية وحدها هي الفاعلة حين تتوفر الرغبة بالنجاح لدى الطرفين".
ويقول إنه "وفقاً للأنماط القديمة تصور الدعاية الرسمية الروسية أميركا الجبارة، بأنها مسؤولة عن كل شر في العالم، ولا سيما تغيير السلطة في أوكرانيا. اللافت للنظر أن السلطة المطلقة ليست للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، إنما عجزهم عن وقف صعود فلاديمير بوتين" هو الذي أدى الى ما هو عليه اليوم في القرم.
يرى كيم أن الغرب يهدد "رمزياً" بالعقوبات الاقتصادية، لكنه هو نفسه لا يريد فرضها، في حين أن الرئيس الروسي "يلعب خارج المنافسة، وفق قواعد القرن التاسع عشر".
ولعل المقاربة التي يقدمها الكاتب هي أقرب للمنطق إذ يقول "بوتين يحتاج أوكرانيا منطقة عازلة سياسياً، إن لم يكن عسكرياً. الغرب، مع ذلك، يُظهر حماساً قليلاً لأوكرانيا، لتصبح عضواً كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، رغم اقتصادها المريض والحدود الطويلة مع روسيا. إرادة الغرب ضعيفة. بوتين يدرك لماذا يكافح وهو سيد الموقف. لقد علّمته حرب الخمسة أيام في جورجيا في العام 2008، بأن الغرب، عدا عن الصدمة والندم، يستجيب أيضاً بقليل من التفهم لضربات وقائية ضد أي عضو في حلف شمال الأطلسي".
لقد أصبحت شبه جزيرة القرم نقطة ساخنة جديدة لأوكرانيا تهددها بالصراع مع روسيا، بحسب تعبير صحيفة "در تاغس شبيغل" التي عنونت مقالاً للكاتبة إيلكه فيندش، بـ "الأسلحة الروسية الثقيلة". ترى الكاتبة أن "روسيا قلقة بشأن مصير أسطول البحر الأسود، لأن السلطة الجديدة في كييف يمكن أن ترجّح كفة اتفاق العام 2010 مع تمديد لمرابطة الأسطول الروسي في شبه جزيرة القرم"؛ في اشارة الى تمركز اسطول روسيا في البحر الأسود بموجب اتفاق كان من المفترض أن يقضي بتأجير ميناء سيفاستوبول، حتى العام 2017 لولا أن الرئيس الأوكراني المخلوع في شباط الماضي فيكتور يانوكوفيتش مدده لعام 2042؛ مقابل قيام روسيا بدفع 7 مليارات دولار سنوياً، ومنح تخفيض بنسبة 30% على الغاز المصدر لأوكرانيا.
تلفت الكاتبة النظر إلى أن موسكو تخشى من تخلّي أوكرانيا عن حيادها والانضمام الى حلف "الناتو" بما يسمح بنشر قوافل عسكرية للأطلسي في القرم التي تُعتبر استراتيجية بالنسبة لروسيا تمكنها من حق الوصول ليس فقط إلى البحر الأسود، ولكن أيضاً إلى البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي إلى جنوب المحيط الأطلسي.
الموقف الألماني الأكثر إثارة للجدل هو الذي أتى على لسان القيادي في حزب اليسار، المحامي غريغور غيزي، في حوار أجرته معه صحيفة "در تاغس شبيغل". يتناول غيزي في هذا الحوار شخصية الرئيس الروسي الذي يقول عنه "بوتين ليس نوعي المفضل" في معرض رده على سؤال عما إذا كان هناك أمور تثير الإعجاب به.
يرى غيزي، وهو أحد أبرز مؤسسي حزب اليسار الألماني في العام 2007، أن "كثيرين من الروس يشعرون بمهانة لانهيار الاتحاد السوفياتي. لكن ما فعله بوتين في جورجيا، وسوريا والآن في أوكرانيا، أعطى الروس الشعور، بأنهم أصبحوا من جديد ذات أهمية. لكن من ناحية ثانية: بوتين يتصرف بطريقة تفكير تقليدية. إنه يحاول الحصول على نفوذ وتوسيعه، بطريقة مشابهة لطريقة تفكير الولايات المتحدة". ويخلص إلى أن بوتين عليه أن "يعرف أنه إن أراد لحكومة موسكو أن تفوز عليه إزالة التصعيد".
من ناحية ثانية يؤكد القيادي السابق في الحزب الشيوعي الألماني الذي عاش في الشطر الشرقي من مدينة برلين أيام انقسام ألمانيا، أن "النضال ضد العقوبات على روسيا هو دفاع عن الاقتصاد الألماني في الوقت نفسه، لأن هذا الأخير سيعاني بشكل طبيعي".
وحول جدوى انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، يرى غيزي أنه "من منطلق أسباب اقتصادية لا يبدو ذلك متوقعاً في المدى المنظور؛ أوكرانيا حالياً مُدمّرة. وأقول لروسيا إن عليها أن لا تشعر بأن عضوية كييف في الاتحاد الأوروبي خطوة ضدها. علينا أن نبتعد عن هذا التفكير في بدائل، والذي يتعلق بتبعية أوكرانيا لنا أو لها على الجانبين. هذا هراء".
وعما إذا كانت أوكرانيا ستنضم إلى "الناتو" يجيب غيزي "من دون أي مناسبة ارتكب حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بالفعل ما يكفي من الأخطاء في ما يتعلق بروسيا وأوكرانيا. روسيا تنظر إلى هذه الخطوة دائماً كخطر يهددها. من خلال رؤية بوتين سيجد أن أسطول البحر الأسود الروسي في خضم حلف "الناتو". وبالتالي، بدلاً من ذلك، يمكن لروسيا أيضاً أن تكون عضواً في "الأطلسي"، ولكن حينها سنتحدث عن هيكل جديد تماماً" لهذا الحلف.
أما الخبر الأكثر لطافة فهو ما نشرته "بوابة الانترنت- فونتانكا" الروسية، عن المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، الذي اختار مدينة بطرسبورغ الروسية ليحتفل فيها بعيد ميلاده السبعين مع "صديقه المُقرب" بوتين. تناولت الأوساط الألمانية هذا الموضوع بين منتقد لهذه الخطوة في ظل ضم شبه جزيرة القرم، وأزمة أوكرانيا، وبين من وجد فيه خبراً لطيفاُ يؤكد عمق الصداقة بين ضابط استخبارات سوفياتي سابق وقيادي في الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني.
موقع "أم أس أن" بنسخته الألمانية ربط بين هذا الاحتفال وبين "انتقادات واسعة لسياسة موسكو التي تتعرض لعقوبات دولية قاسية"، مشيراً الى أن المستشار السابق لم يعر ذلك اهتماماً مؤكداً أن "الأصدقاء الجيدين لا يمكن الفصل بينهم". لكن وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ" أشارت الى أن شرودر هو رئيس لجنة المساهمين لشركة "نورد ستريم" للطاقة التي تدير خط أنابيب غاز البلطيق وتهيمن عليها الشركة الحكومية الروسية "غازبروم".
أما في صحيفة "فرانكفورتر ألغيمانية" واسعة الانتشار، فقد كتبت البرفسوره ريناتي كوشر، مديرة معهد "فير ديموسكوبي آلن باخ" دراسة تتضمن استطلاعات رأي، تحت عنوان "بلد خطر"، تقصد به روسيا. تقول الدراسة إنه "بعد 25 سنة من سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة بات يهدد عصر جليدي جديد العلاقة مع روسيا. بعد ضم القرم أصبحت روسيا فجأة بلداً مصدر خطر".
تشير كوشر إلى أنه بعد تصاعد أزمة القرم أظهر تقييم أن 55 % من الشعب الألماني يربطون روسيا بالمخاطر وفقط 10% يجدون فيها شريكاً موثوقاً. وتؤكد أن العلاقات الروسية الألمانية أصبحت في مستوى منخفض وفق انطباع الناس في ألمانيا. "فقط 15% يرون أن العلاقات سليمة، بينما 76% ينزعجون من الحفاظ على العلاقة بين البلدين". وأوضح الاستطلاع أن النظرة الى الرئيس الروسي تراجعت بشدة. 65 % ينظرون اليه بنظرة سلبية، بينما كان أصحاب هذه النظرة من 3 سنوات 48%. ومن 10 سنوات كانت نسبتهم فقط 17%.

(السفير)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"شريعة المفاسد".. محاكمة من خارج حقل الميتافزيقيا

عطوي يتحرّر في «شريعة المفاسد»

هل "ستحرّر" إيران فلسطين؟!