الموسيقى لعلاج اللاجئين من يأس الانتظار في سويسرا


برن- معمر عطوي

لطالما كانت الموسيقى والغناء حكراً على من يتقن العزف أو يتمتع بصوت طروب، لكن هنا في سويسرا المجال مفتوح لكل راغب لأن يعبّر عن مكنوناته أمام الملأ ومن دون شروط. لعلها الحكمة التي تقول "إذا كنت تريد معرفة شعب ما يجب أن تستمع إلى موسيقاه".

انطلاقاً من هذه الذهنية الاستيعابية يُفاجأ بعض اللاجئين الأجانب في مدن وقرى سويسرا بين وقت وآخر بدعوات لحضور أمسيات موسيقية وغنائية وراقصة، على أنهم ذاهبون للاستماع والاستمتاع. لكن الواقع أن هذه الدعوات تمكن كل شخص قادر على استخدام صوته أو اللعب على آلة موسيقية من المشاركة في نشاطات ينظمها متطوعون ومنظمات تهتم باللاجئين والمهاجرين، بهدف التخفيف من

توترهم ومعاناتهم الناتجة عن ظروف الإقامة في مساكن جماعية ويأس الانتظار الطويل قبل البت بطلبات لجوئهم.


إذن هي المشاعر الإنسانية التي يتحلى بها الإنسان الأوروبي على العكس من حكوماته التي تعتمد في كثير من الأحيان سياسات خارجية لاإنسانية بحق الشعوب الأخرى خصوصاً العالمثالثية، في خضم الصراع على المنافع والثروات.

حكمة فرنسية

قد تكون هنا الحكمة الفرنسية مناسبة، بأن "الموسيقى يمكن أن تجعل الناس أحراراً"، فهنا يمكن لكل شخص أن يشعر بحريته في الغناء والعزف على آلات يوفرها له المنظمون، أو قد يحمل آلته الخاصة في حال كان موسيقياً أو هاوياً للعزف. إذ يفسّر هؤلاء هذه النشاطات بأنها تصب في مصلحة خفض التوتر عند اللاجئ وخلق مساحة مناسبة للتعبير وإخراج المدفون والمكتوم، على طريقة العلاج النفسي لمن هم في حالة يأس أو كآبة.

مقومات الإندماج

كذلك يقف هناك دافع آخر وراء هذه النشاطات التي تجعل كل شخص بقطع النظر عن عمره أو مستواه الثقافي أو درجة استيعابه أو مستوى خامة صوته، وهو العمل على تأمين مقومات الإندماج في المجتمع الغربي. هناك شرائح مختلفة من البشر ذوات ذهنيات متعددة وخلفيات قد تكون متناقضة أحياناً، قد تصبح الموسيقى معها وسيلة رائعة للجمع بين الأفكار.

ويشارك العديد من اللاجئين السوريين والأفغان والأفارقة وبعض العراقيين في نشاطات عديدة تشهدها مدن وقرى سويسرية عديدة.

قد تكون معظم هذه النشاطات في باحات الكنائس أو في الساحات العامة، مثلما حصل هذا الصيف حين شارك نحو ثلاثين شخصاً في العزف على آلة "أنغلونك" الأندونيسية البسيطة المصنوعة من القصب، في باحة البرلمان وسط العاصمة السويسرية. وذلك بقيادة معلمة أندونيسية مقيمة في برن تساهم في دعم نشاطات فنية لمصلحة المهاجرين وطالبي اللجوء.

مشاعر جميلة

حقيقة هذه المشاعر الجميلة عبّرت عنها أميرة الآتية من أفغانستان بقولها: "لقد تعلمنا بسرعة على العزف وها نحن نعزف أمام الناس جميعاً بشكل جيد.. الموسيقى تجعلنا نخرج عن رتابة الحياة اليومية التي يعيشها اللاجئ لنعبّر بشكل أفضل عن حبنا للفنون".

أما صالح الوافد من إريتريا فقد وصف ما يحدث بأنه "أمر عجيب ومفاجئ.. أتينا لنحضر حفلة موسيقية وإذ بنا نحن من يعزف".

اللاجئ السوري ثائر كان قد دعي الى حفلة مماثلة، لكنه كان يدرك أنه سيكون أحد المشاركين فيها.

يقول ثائر الذي كان يعزف على إحدى الآلات الإفريقية التراثية: " لأول مرة أمسك في يدي آلة موسيقية وقد أحسست أني تعلمت منذ زمن إذ سرعان ما دخلت في المناخ الموسيقي والتزمت بالإيقاع". بيد أن دلغاش الفنان العراقي الكردي الذي يصطحب معه آلة البزق أينما حل، فقد كان في ذروة الرضا عما يجري من اهتمام بالفنانين في هذا البلد "حيث يمكن للهاوي أن يصبح محترفاً وأن يتعلم دائماً أشياء جديدة.

نشاطات عديدة وحفلات مجانية قد يتخللها تقديم المشروبات والحلوى وأحياناً الطعام، مجاناً للاجئين. هذا ما شهدته بعض المدن السويسرية أيضاً في "يوم اللاجئ العالمي" الواقع في 20 حزيران، حيث تم تقديم أنواع مختلفة من الأطعمة التي أعدها اللاجئون وذهب ريعها لدعم نشاطات لترفيه وتعليم هذه الشريحة الآتية من وراء البحار.

سويسرا على ما يبدو ليست فقط بلد المنتجعات الصحية المنتشرة في سفوح جبال الألب، او بلد هادئ للتقاعد، وليست هي فقط موطن شركات الأدوية والأبحاث العلمية. بل هناك أيضاً من يستخدم الموسيقى في علاج التوتر متفهماً ظروف اللاجئ الذي قطع البحار والمسافات الطويلة بين الدول ليصل الى هذا البلد مرهقاً، حيث لا يمكن الشعور براحة واطمئنان قبل البت في طلب لجوئه والذي قد يطول لأكثر من عام.

لعل ما يقوله الفنان السويسري الفرد زيلاخر بأن الأغنية يمكن أن تنمي خلايا عصبية جديدة وتجعل الدماغ يتمتع بحيوية، قد ينسجم مع بعض ما يقدمه المتطوعون للوافدين الجدد إلى بلاد الطبيب النفسي الشهير هيرمان روشاخ.


"السفير" - بيروت

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"شريعة المفاسد".. محاكمة من خارج حقل الميتافزيقيا

عطوي يتحرّر في «شريعة المفاسد»

هل "ستحرّر" إيران فلسطين؟!