برن.. مدينة عريقة على ضفة الحداثة
برن- معمر عطوي
تنطلق الرحلة سيراً على الأقدام من محطة القطارات يساراً إلى المدينة القديمة حيث ساحة برن بلاتز المقابلة لمبنى البرلمان مروراً بساحة "تسايتغلوغ" حيث الساعة القديمة التي توضح أهمية الوقت في هذا البلد الذي كان سباقاً لصناعة أشهر الساعات والذي يتميز اهله بالدقة واحترامهم للمواعيد.
شوكولاته لذيذة
مروراً بالمتاجر التي تم ترتيبها واعادة تأهيلها في أقبية قديمة تحت الأرض، والتي تعلوها مكاتب ومحلات تجارية وبيوت في الأبنية ذاتها التي لا يتعدى علوها الثلاثة طوابق، يستمتع السائح بمنظر محلات الشوكلاتة الأشهر في العالم، حيث الترتيب والأنواع العديدة اللذيذة التي تفتح الشهية. كذلك هي المطاعم العالمية الوافدة من كل أقطار الأرض ومتاجر بيع الساعات والسكين السويسري المشهور باستخداماته المتعددة. لعل اختراعه أتى استجابة لمتطلبات المتجولين والمتسلقين للجبال والمخيمين في الغابات.
هنا في برن عراقة التاريخ وميزة الحاضر المشحون بعولمة إقتصادية ثقافية تجعل المدينة كوزموبوليتية بامتياز.
عند الساعة الشهيرة في ساحة "تسايتغلوك" ينتظر عشرات السواح تمام العقارب لتصوير ذلك الرجل الحديدي القزم الذي يخرج في أعلى البرج ليدق الجرس منبهاً الحاضرين الى الوقت عند كل ساعة. وفي وسط البرج ساعة قديمة ضخمة كتبت عليها الأرقام باللغة اللاتينية القديمة.
في ضيافة آينشتاين
على بعد أمتار قليلة من الساعة يمكن للزائر يستضيفك طيف العالم الفيزيائي الألماني الشهير ألبرت آينشتاين في منزله المتواضع المؤلف من طبقتين داخل مبنى، حيث يتاح هنا التعرف على أهم نظريات صاحب النسبية، والتي توصل اليها خلال إقامته القصيرة في برن.
زيارة آينشتاين لا تتوقف عند منزله، بل لا بد من متابعة الرحلة العلمية في بلد يحترم علماءه وباحثيه ومثقفيه. ففي المتحف البرني التاريخي، ثمة طابق واسع مخصص لعرض كل ما يتعلق بحياة آينشتاين. هنا يمكن للمرء التعرف على تاريخ برن عبر تسلسل تاريخي، كما يمكن معرفة العلاقة بين حضارة البلد وبين ما سبقها وما عاصرها من حضارات أوروبية وعالمية.
الرحلة العلمية لا تنتهي هنا فانسجاماً مع اهتمام السويسريين بالحيوانات والنباتات والحفاظ على البيئة والطبيعة، لا بد من زيارة المتحف الطبيعي الضخم الذي يضم حيوانات محنطة ضخمة وهياكل عظمية لحيوانات منقرضة وأخرى حديثة إضافة إلى الثروات البحرية الكثيرة.
وفي تأكيد لأهمية اتصال الماضي بالحاضر انشئ متحف قريب من المتحف التاريخي هو متحف الاتصالات والإعلام، والذي يحكي قصة تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة وكل ما يتعلق بالميديا.
المتاحف المتعددة هنا هي رواية حقيقية لتاريخ غني بالأحداث والتطورات والاختراعات العلمية والنتاجات الفلسفية والأدبية في بلد متعدد القوميات واللغات.
في برن المدينة التي لا تتعدى مساحتها الـ 233 كيلومتراً مربعاً يعيش فيها نحو 130 الف نسمة فقط، يمر نهر الآري في الوسط مثل أفعى تلتف حول المدينة وقراها، باعثاً الحياة، ثمة حيوية متناسقة تماماً مع طبع الناس الهادئ والمسالم.
الريف والمدينة

الريف لا يبعد عن المدينة جغرافياً، فيما تسهّل وسائل المواصلات المشهورة بدقة مواعيدها من هذا الإنتقال السريع بين بيئة المدينة وبيئة القرية التي لا تزال تحتفظ بخصوصيتها رغم وصول وسائل التقدم اليها.
لعل أبرز ما يلفت الزائر لمدينة برن، هو المشهد الثقافي العابق ببرامج الموسيقى والمسرح والأفلام السينمائية ومهرجاناتها المتعددة، إضافة الى النشاطات الأدبية والعلمية الممزوجة بروح التسلية والمتعة.
الكتاب هنا موجود في كل مكان. هو متاح لكل إنسان مجاناً أو بسعر رخيص. في الشارع يمكن دائماً العثور على كتب وضعت كهدايا للمارة. كذلك في المقاهي والمسابح والمطاعم، تتوفر الصحف والمجلات والكتب ومنشورات ثقافية متعددة.
برن التي تستريح بهدوء على ضفة نهر الآري، هي بحد ذاتها قصة تاريخية ممتعة تجمع التاريخ بالحاضر وتولّف بين فضاء المدينة الغني بكل أسباب التطور وبيئة القرية البسيطة الرحبة الهادئة الغنية بالأغذية والثروات الحيوانية. فهنا لا يوجد أحزمة بؤس، بل أحزمة ترفد المدينة بكل ما هو صحي ومفيد.
"السفير"- بيروت
تعليقات