واحات السراب

 (شعر معمر عطوي)


من رآهم؟
أولئك الأطفال الغارقون في أحلام السراب…
مثل معظم شعوب الأرض،
يبحثون عن حقهم في رغيف خبز وعلبة دواء…
لم يعد نفط بابل يوقد نار أفرانهم،
النفط أضحى “فيزا” لدخول الرغيف،
لا قمح بلا نفط،
لا دواء بلا نفط،
كل “العصافير المزقزقة” في بطون الأطفال تنتظر…
لا قمح.. ولا دواء الا بالنفط،
تباً ليوم النفط،
ليوم المساومة على الرغيف…
ما ذنبهم؟
ولدوا في بابل،
لعبوا في حقول نخيلها،
أكلوا من ثمرها،
شربوا من دجلها وفراتها،
والنفط نقمة لا نعمة…
وطنهم بلا وطن في ظل الأقوياء،
القصور ليسكنها الأقوياء،
العربات الفارهة ليركبها الأقوياء…
تشرد مبدعوها في عواصم العالم،
ينتجون شعرا وفنا وأدبا وفكراً…
لم يخرق أنين جياعهم جدار الصمت العربي،
فصوتهم في مؤتمرات العرب صمتاً،
لم يعودوا عرباً… لم يعودوا بابليين…
لم يعودوا سوى مشردين في أصقاع الأرض،
جثثاً بلا قبور،
ومعتقلين بين جلاديهم و”أبطال العاصفة”…
هؤلاء العرب…
سقوا نخيل البصرة الوارف من جراحاتهم،
سقطوا جثثا مكدسة في مياه دجلة،
زاروا المقابر الجماعية في الموصل ونينوى وواسط والأنبار…
حتى الواحات أضحت سراباً،
تبخرت مياهها مع النفط ،
باتت غيوماً سوداء تظلل الليل العربي الطويل
بيروت 18 اب 1996

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"شريعة المفاسد".. محاكمة من خارج حقل الميتافزيقيا

عطوي يتحرّر في «شريعة المفاسد»

هل "ستحرّر" إيران فلسطين؟!